موريتانيا حين يملؤها الفراغ / محمد محمود أحمد بابو

تعيش موريتانيا الآن أزمة سياسية غير مسبوقة فمنذ انقلاب العسكر علي الشرعية الدستورية سنة 2008وموريتانيا تتقاذفها الأمواج السياسية وتعصف بها الأحادية وينخرها الفساد.

ظلت الأحادية والدكتاتورية تلتهم مؤسساتها واحة تلو الأخرى بدء بالمؤسسة التشريعية مرورا بالمجالس البلدية

وليس انتهاء بالمجس الدستوري إلى أن وصلت السلطة التنفيذية التي أكلت أطرافها واختزلت نفسها في شخص فخامة الرئيس فكان المشرع، والمنفذ، والقاضي يتهم، ويحاكم، ويحكم، وبعبقرية فريدة استغنت موريتانيا عن مؤسساتها الدستورية، ودخلت في عطلة مفتوحة، إلى أن جاءت نيران صديقة, أو نيران صديقة، كلاهما قراءة سبعية فطرحت الرئيس أرضا وتركته أخباره علي الأقل حتى لا أقول مصيره في غيبوبة وفي ظلام؛ مريضا طريحا.. سليما معافى سيأتي، لا لم ولن يأتي، سيظهر لا لم ولن يظهر، تعددت الروايات وتناقضت، لكن الأهم أن موريتانيا امتلأت ولكن للأسف بالفراغ الدستوري واجتاحها ركود غير مسبوق، فمنذ الرصاصة الصديقة العدوة لم يجتمع مجلس الوزراء، ولم يزر موريتاني زائر بل حتى المحروقات التي كانت في ازدياد مطرد رست هي الأخرى، وأصبحنا نعيش ركودا غير مسبوق نصرخ باستمرار ولكن في صمت، ونسأل عن جدارة عن حالة رئيسنا الصحية ووضع مؤسساتنا الدستورية وعن المخرج والمخرج لموريتانيا من هذا العنق الزجاجي الضيق الذي استقرت فيه.

من هو الرئيس الفعلي لموريتانيا الآن، وهل سيعود عزيز ومتى؟ وإلى البيت ليتفرغ لممتلكاته الكبيرة والكثيرة؟ أم إلى القصر ليواصل مشواره الرئاسي؟

تتضارب الأنباء عن من يسير موريتانيا الآن؟ ففي حين يرى الدستور أن الوزير الأول هو من ينبغي أن يخلف الرئيس يؤكد الرأي العام أن قائد الأركان هو القائد الفعلي لموريتانيا مما يعني أن موريتانيا هبة الرب للعسكر، تتوارثها جنرالاتها جيلا بعد جيل، يسلمها الجريح للصحيح، والمنقلب عليه للمنقلب، والميت للحي، والحبل علي الجرار.... فيا رب عونا...

أما متى سيعود الرئيس؟ فالمعلومات الرسمية شحيحة وشح المعلومات إن دل علي شيء فإنما يدل على أنها ليست لصاح الرئيس واستمراره، وأن وضعه الصحي غير مربح ولا باعث للرأي العام علي التشبث به وانتظاره كمخلص لموريتانيا من وضعية الفراغ على الأقل. 

ما هو مؤكد أن الرئيس منذ إصابته بدأ منحناه الصحي في هبوط مستمر، فأول إطلالة له كانت بالصوت والصورة مسجي على أريكته في المستشفي العسكري ثم هبط المنحني ليكون الظهور الثاني بالصورة فحسب مع الرئيس الفرنسي لا عفوا الرئيس لم يزره حتى الآن، وإنما كان الظهور مع وزير الدفاع الذي جاء لزيارة جنود جرحي داخل المستشفي العسكري، ثم هبط لتكون الإطلالة الأخرى ببيان لا صوت ولا صورة معه، ثم كانت الأخيرة صمت من وراء وراء مسعود يدعي أنه اتصل به، وأنه حي يرزق ومتمتع بقواه العقلية، ولعل الإطلالات القادمة تكون في الأحلام أوفي استقالة أو إقالة من المشهد السياسي، لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بإلحاح أنه في حالة العجز أو الإقالة، فأين هي مؤسسات الدستور المفترض أن تملأ الفراغ؟ وهل ستكون عامل تعقيد أم تقعيد؟

 

المؤسسات الدستورية وانتهاء الصلاحية

تعيش موريتانيا الآن في ظل مؤسسات دستورية كرتونية منتهية الصلاحية، وعاجزة عن رتق الفتق وملأ الفراغ، فمجلس النواب انتهت مأموريته منذ زمان، وتأجل انتخاب مجلس جديد، والمجموعة "ب" من مجلس الشيوخ تم تأجيل تجديدها غداة انتخابها، والمجالس المحلية والبلدية منتهية الصلاحية هي الأخرى، والمجلس الدستوري ثلاثة من أعضائه لم يؤدوا بعد القسم، ونفس الشيء بالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء، ومؤسسة الرئاسة يكتنفها العجز والغموض.

فلو افترضنا جدلا أن الرئيس عاجز أو مستقيل أو... فمن سيطلب من المجلس الدستوري النظر أصلا، فرئيس الجمعية الوطنية انتهت مأموريته ولم يعد نائبا أصلا، حتى يكون رئيسا لجمعية النواب، أما الوزير الأول فحتى ولو قدم الطلب في حين صحوة من ضمير طال نومه، فإن المجلس الدستوري نفسه مشلول شلل شبه نصفي، لأن ثلاثة من أعضائه لم يقسموا بعد اليمين الدستوري حتى يشرعوا في ممارسة مهامهم بعد، ومن خضم تركة الرجل المريض "مؤسسات دستورية معطلة.. وولوائح انتخابية ناقصة... وحروب بالوكالة تقرع طبولها بين الحين والآخر، و"تطل سيناريوهات إنقاذ على المشهد"، بعضها يتكئ علي بقية الدستور التي لم يعبث به النظام السابق. 

يتبني هذا السيناريو العسكر الحاكم ومن خلفهم من ميلشيا سياسية، حيث ستجري انتخابات رئاسية في غضون ثلاثة أشهر، على ألا تتغير الحكومة الحالية، ولا تتغير الإدارة الإقليمية، ويبقي الحال على ما كان عليه، وتعود حليمة إلى سابق عهدها، ويتبخر الأمل المنشود.

السيناريو الثاني المدخل الدستوري والحل التوافقي 
تتبني هذا السيناريو منسقية المعارضة وبعض من الوطنين الراغبين في تحييد العسكر عن مستنقع السياسة الذي أفسدهم وأفسدوه، فيتداعى الموريتانيون جميعا ويأخذوا زمام المبادرة ليأسسوا لحكامة سياسية رشيدة ودولة مؤسسية تستوعب كل أبنائها بغض النظر عن ولآتهم وجهاتهم وأعراقهم وفآتهم ومواقفهم وخلفياتهم, إلى أن تتبدد الغيوم السياسية المتناثرة على المشهد، ويبقي باب الاحتمالات مشرعا علي مصراعيه، من عود الرئيس الجسم... إلى عودة الرئيس الفكرة... إلى عودة موريتانيا للموريتانيين، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

7. نوفمبر 2012 - 11:26

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا