هل تعيش موريتانيا أزمة دستورية؟ /عبد الله ولد البشير المحامي

ذ/ عبد الله ولد البشير المحاميتعيش موريتانيا منذو إصابة السيد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز حراك قانوني غير مسبوق بين القانونيين، حول الوضعية القانونية للمؤسسات الدستورية للبلد، والتي كانت محل نقاشات سابقة خاصة فيما يتعلق بمؤسسة البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ . وهذا ما جعلني بوصفي قانوني أدلي بدلو في هذا النقاش القانوني الساخن انطلاقا من خلفية قانونية وليست سياسية .

و ذلك لإجابة علي السؤال المطروح الآن بإلحاح من طرف الجميع وهو: هل يعيش البلد أزمة دستورية ؟ أم لا ؟ 

وقبل أن ادخل في الموضوع أتمنى من العلي القدير الشفاء التام لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز والعودة السريعة إلي ارض الوطن.

وللعودة إليه فإن دستور الجمهورية الثانية الصادر بتاريخ 20 يوليو 1991 والمعدل بموجب القانون الدستوري رقم 14/ 2006  الصادر بتاريخ 12 يوليو 2006 دستورا رئاسيا  

حيث يتمتع رئيس الجمهورية فيه بصلاحيات واسعة وذلك حسب المواد 23 و39 فهو حامي الدستور، ويمارس السلطة التنفيذية ، ويترأس مجلس الوزراء ، ويتمتع بالسلطة التنظيمية ويمكنه أن يفوض جزء منها أو كليا للوزير الأول، ويعين في الوظائف المدنية والعسكرية ، وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة ويترأس المجالس واللجان العليا للدفاع الوطني ، ويعتمد السفراء والمبعوثين فوق العادة إلي الدول الأجنبية ، ويعتمد لديه السفراء والمبعوثين فوق العادة .... الخ.

وبالتالي فإن مؤسسة الرئاسة هى الأهم في النظام الدستوري الموريتاني، وأي فراغ أو شغور في هذه  المؤسسة سيؤثر علي جميع المؤسسات الأخرى ، وعلي سيرها واستمرارية أداءها .

وبما أن رأس هذه المؤسسة غائبا الآن عن الوطن للعلاج فإن ذلك يطرح سؤال مهم وهو: هل هناك فراغ رئاسيا ؟

اعتقد أنه لإجابة علي هذا السؤال فإنه لابد للتذكير بالمواد 40 و41 من الدستور والتي حددت التدابير التي تتخذ  لا قدر الله في حالة كان هناك شغور، أو مانع لرئيس الجمهورية يمنعه من مواصلة مهامه ويتحقق من ذلك المجلس الدستوري بواسطة طلب يقدم  له من الشخصيات التالية :

-  الرئيس نفسه

- رئيس الجمعية الوطنية

- الوزير الأول

وهذا  لم يتحقق لمجموعة من الأسباب وهى كالأتي :

- أولها أن السيد الرئيس في  أول خرجه إعلامية له صرح أن إصابته ليست بالخطيرة وبالتالي فإنه ليس هناك ما  يمنعه من مواصلة مهامه ، وإنما ذهب إلي الخارج من اجل قضاء فترة نقاهة ، وعليه فإن طلب رئيس الجمهورية  وهو الشرط  الأول في حالة الشغور ليس ورادا .

- أن رئيس الجمعية الوطنية وهو الشخصية الثانية التي لها حق طلب التحقق من الشغور هناك شكوك حول شرعية البرلمان الذي يترأسه حيث تم انتخابه سنة 2006 وبالتالي انتهت مأموريته قانونا  وذلك حسب المادة 47 من الدستور والتي تنص علي أنه :

(( ينتخب نواب الجمعية الوطنية لمدة (5) سنوات بالاقتراع المباشر )).

وكذلك المادة (1) من الأمر القانوني رقم  028/1991 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991 المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب في الجمعية الوطنية حيث تنص علي انه :

(( تتكون الجمعية الوطنية من نواب ينتخبون لمدة خمس سنوات عن طريق الاقتراع المباشر ، ويتم تجديد الجمعية الوطنية دفعة واحدة )).

والمادة (2) تنص هي الأخرى علي أنه :

(( تنتهي سلطات الجمعية الوطنية عند افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر من السنة الخامسة التي تلي انتخابها فيما عدا حالة الحل ، تجري انتخابات عامة في الستين يوما التي تسبق انتهاء سلطات الجمعية الوطنية )).

وانطلاقا من ذلك فإن الجمعية الوطنية زادت علي فترة القانونية ، وبالتالي انتهت صلاحيتها ورئيسها لايملك حق طلب التحقق من الشغور.

-  أما الوزير الأول فهو  معين من طرف رئيس الجمهورية حسب المادة 30 من الدستور وهو الذي ينهي وظائفه ، وهو مسؤول أمام البرلمان حسب المادة 43 من الدستور والبرلمان منتهي الصلاحية وبالتالي مقيد بالتبعية الرئاسية  ولايملك طلب التحقق من الشغور لأنه مسؤول أمام برلمان انتهت فترته القانونية .

والمسألة الأساسية التي أحب أن أشير إليها ان مجلس الشيوخ والذي يعتبر رئيسه نائب رئيس الجمهورية في حالة الشغور أو المانع   شرعيته هو الأخر علي المحك لان القانون صريح في ان تجديده ثلثيه كل سنتين وذلك حسب المادة 47 من الدستور و المادة (2) من الأمر القانوني رقم 029/1991 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991 المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب الشيوخ

حيث تنص علي أنه :

(( يجدد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ )).وهذا لم يتحقق حتى الآن حيث لم يتم تجديد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ منذو الانتخابات الأخيرة.

أما لو افترضنا ان مأمورية البرلمان صحيحة من خلال الفتوى الأخيرة لمجلس الدستوري والتي قضت بتمديد فترته ، فإن الإشكالية هذه المرة  ستكون في البحث عن شرعية مؤسسة دستورية أخرى هي المجلس الدستوري الذي يختص من التحقق من الشغور أو المانع ، حيث نصت التعديلات الأخيرة  والمتمثلة في القانون الدستوري رقم015/2012 المتعلق بمراجعة دستور 20 يوليو 1991 في مادتها العاشرة التي تلغي أحكام المادة 81 من الدستور وتحل محلها حيث نصت في فقرتها 1 علي أنه :

(( يتكون المجلس الدستوري من تسعة (9) أعضاء فترة انتدابهم تسع (9) سنوات غير قابلة للتجديد ))

ومن المعروف أن الأعضاء الحاليين للمجلس الدستوري ستة والثلاثة الذين تم تعينهم حسب التعديلات الأخيرة لم يؤدون اليمين الدستورية حسب المادة 3 من الأمر القانوني رقم 04/1992 الصادر بتاريخ 18 فبراير 1992 المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري حيث تنص علي أنه :

(( يؤدي الأشخاص المعينون في المجلس الدستوري اليمين أمام رئيس الجمهورية قبل استلامهم وظائفهم )).

وبالتالي فإن المجلس الدستوري  معطل هو الأخر حتى إتمام تعين بقية أعضاءه .

وعليه فإن جميع المؤسسات الدستورية تعيش أزمة قانونية ، والحل حسب اعتقادي يكمن في عودة السيد رئيس الجمهورية ومواصلة مهامهم ، وتنظيم انتخابات برلمانية وبلدية ، بالتشاور مع الفاعلين السياسيين  قريبا ، وتأدية بقية أعضاء المجلس الدستوري اليمين القانونية هذا فيما يخص الأمد القريب.

أما علي الأمد البعيد فإنه حسب وجهة نظرنا فإن الدستور الحالي يتسم بالكثير من النواقص وقد ظهر ذلك جلي بعد إصابة السيد الرئيس ، وبالتالي هناك حاجة ملحة لتعديله وخلق منصب جديد يتمثل في نائب للرئيس كما في الدساتير العربية كالدستور المصري ، واليمني ، والعراقي ، وذلك من اجل السير المضطرد للمرافق الإدارية  وحسن سيرها.

وفي الأخير أرجو أن تكون هذه السطور قدمت إضافات جديدة للقارئ أو فتحت النقاش للمختصين وخاصة في القانون الدستوري وذلك لكي يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل تعيش موريتانيا أزمة دستورية ؟ أم لا ؟.

17. نوفمبر 2012 - 19:59

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا