ربيع أم ثورة مضادة !؟ / محفوظ ولد اعزيزي

لا شك عزيزي القارئ أن لكلمة ثورة عير التاريخ، سحرا خاصا في أذن المستمع و ذلك لما لهذه الكلمة  من رمزية  تذكر أمم الأرض و شعوبها بأيامها المجيدة و بطولاتها الخالدة.

وحتى الأمس القريب، ما أن تنطق كلمة "ثورة" حتى تعود الذاكرة إلى الأبطال العظام أمثال سيمون بوليفار

 وشي غيفارا وماوو تسيتونغ ولينين وعز الدين القسام وسلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي وعمر المختار وعبد القادر الجزائري والشيخ عبد الحميد بن باديس  وعبد الناصر وباتريس لومومبا وحافظ الأسد وآية الله الخميني وغير هؤلاء كثيرون ممن لا يتسع المجال لذكرهم، قارعوا الاستعمار الكولونيالي و الإمبريالية العالمية بأشكالها المختلفة.

لقد رفع هؤلاء القادة الثوريون العظام شعارات تحرير شعوبهم وأممهم من نير السيطرة الاستعمارية الخارجية والنهب الاقتصادي ومصادرة الحرية والهوية الحضارية والثقافية الوطنية والقومية. لقد كان هؤلاء القادة الأفذاذ الذين فجروا تلك الثورات في تلك الحقب المظلمة من تاريخ شعوبهم و أممهم، يسعون إلى إرساء دعائم العدالة و الحرية بمفهومها الوطني و القومي العلمي الصحيح، حين جعلوا في سلم أولوياتهم تحرير أوطانهم من نير التبعية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية لمنظومة الاستعمار الكولونيالي البغيض.

لقد جاهد هؤلاء الرموز الأبطال من أجل قيام عالم متساوي ، خال من الهيمنة و الاضطهاد ، فكانت شعوبهم تحتضنهم و تقدم لهم كل أشكال الدعم و الإسناد لشعورها بطهر نفوسهم و نبل غاياتهم و ترفعهم عن كل ما هو مادي ، آني و أناني رخيص.

لقد كان هؤلاء القادة الأبطال يحثون على جمع الكلمة و توحيد الصفوف و النأي بمجتمعاتهم عن الخلافات المدمرة و الاختلافات المختلقة التي يسعى المستعمر و أزلامه المحليون إلى خلقها و تعميقها لأنها هي الرصيد الذي يوفر له طوق النجاة في مواجهة ثورة الحرية و الكرامة و الاستقلال الوطني، بعيدا عن الهيمنة و الانحدار في قاع التبعية و التخلف و الدونية.

عزيزي القارئ، ما نشاهده اليوم من حمل لشعارات الثورة و الحرية بالمقلوب، دون أن يصاحب ذلك تعريف بالثورة و أخلاقياتها و مقاصدها و نبل غاياتها و حلفائها التاريخيين الطبيعيين، لفك الالتباس و وقف التضليل الذي تتعرض له مجتمعاتنا اليوم جراء رفع هذه الشعارات المفخخة ما هو إلا عودة للاستعمار القديم في ثياب ثوروية تدميرية لا علاقة لها بأي مفهوم للحرية. و لو نظرنا إلى ما يجري في وطننا العربي منذ سنتين ، سواء سميناه ربيعا أو صيفا أو خريفا أو شتاء أو حرية أو ثورة ، نجده ثورة مضادة بأدق تفاصيل العبارة، لأنه أعاد أقطارنا العربية إلى مفاهيم و مواقع، كان أسلافنا ، قادة الثورات الحقيقية يحاربونها بكل ما أوتوا من قوة . لقد أعادتنا هذه الشعارات المفخخة و المغلوطة إلى عصر "المندوب السامي" و أساليب الاستعمار الإجرامية في حق وحدتنا الوطنية بشعاراته التفتيتية المعروفة و على رأسها شعار "فرق تسد".

لقد أعادتنا هذه الفرق الظلامية، الاحتياطية للجيوش الأطلسية، إلى مربع هيمنة الاستعمار الغربي و ربيبته الصهيونية العالمية من خلال شعارات مفخخة مغلوطة و ثورة عمياء مضادة أتت على كل ما أنجزته ثورات الحرية و الاستقلال الوطني في موجة من العنفوان المغولي الهمجي الحاقد.

لقد صاحب أول يوم لهذه الثورات المضادة ، توجه جارف إلى تدمير كل منجزات ثورات الاستقلال الوطني بدء بالعلم الوطني و انتهاء بالمدارس و المشافي و الطرق و الجسور ، مرورا بمؤسسات الدولة الوطنية بأشكالها المختلفة ، حتى الجوامع و دور العبادة  و المقابر لم تسلم من بطش الثورات المضادة و حقد القائمين عليها . و طبيعي أن يلجأ هؤلاء إذا ما انتصروا في أي قطر من أقطارنا العربية ، إلى الاقتتال على فريسة الوطن مثل ما نراه اليوم في ليبيا المحتلة، لأنهم لم يثوروا أصلا و في أذهانهم إلا ما رسمه لهم أسيادهم الغربيون و الصهاينة و هو العودة بهذه الأقطار إلى ما فبل التاريخ .. إلى العصور الحجرية.

و لنتأمل قليلا، عزيزي القارئ، في جوقة الدفاع عن هذه الثورات المزعومة التي اجتاحت أقطارنا في مرحلة من أشد مراحل الترهل الوطني و القومي قتامة و ظهور مشاكل كبيرة للعديد من هذه الأقطار على جميع المستويات  الاقتصادية و الاجتماعية و التنموية ، تم استغلالها و توظيفها في إثارة الرأي العام و تضليله و جعله حاضنة لجرائم هذه الفرق الهدامة.

إن الناظر من خارج هذه اللوحة التي تقطر دما و تفجيرا و ذبحا و نهبا و تشويهها لكل القيم و الأخلاق البشرية، يجد هيلاري كلينتون و هانري بيرنارد ليفي و ساركوزي و ديفيد كاميرون و لوران فابيس و حمد بن جاسم و سعود الفيصل و لن يجد كبير عناء في إيجاد من خلف اللوحة، نتنياهو و ليبرمان و عتاة المجرمين الصهاينة المتعطشين دوما لدماء العرب و المسلمين . و في وسط هذه اللوحة ، سيجد آردوغان العضو في حلف شمال الأطلسي و المحتضن لقاعدة آنجيرنيك الجوية التي تخزن فيها الولايات المتحدة الأمريكية مئات القنابل النووية و المرتبط بأكبر الاتفاقات التجارية و العسكرية و الأمنية مع الكيان الصهيوني. هذه الاتفاقيات التي لم يلوح آردوغان بمراجعة أي منها حتى في أوج مناوراته و مغالطاته بنصرة الشعب الفلسطيني و ترشيحه لنفسه لقيادة العالم الإسلامي.

عزيزي القارئ، إنه لمن المسيء و المخجل أن نجد أنفسنا منساقين وراء دعايات مضللة بثورات وهمية ، يؤطرها و يسلحها و يمولها ألد أعداء الثورة و الحرية عبر التاريخ و إنه لمن الغباء و الجهل  أن نفكر أن هؤلاء يدافعون بدافع الشفقة و الإنسانية عن الشعوب و عن حقها في تقرير مصيرها و هم من استعمروها و نهبوا ثرواتها و أبادوها بوحشية في الولايات المتحدة (الهنود الحمر) و في فييتنام و جنوب إفريقيا و في الجزائر و في نيكاراغوا و في أفغانستان و في ليبيا و في العراق و في فلسطين السليبة حتى اليوم..

عزيزي القارئ، آن لنا أن نستفيق من سباتنا و أن نوقف التضليل و أن نقف في مواجهة هؤلاء بكل ما نملك من قوة لنوقف مشروعهم التدميري التفتيتي لأقطارنا الذي يسعى إلى جعلها مستوطنات بحجم إتنياتنها و عشائرها و مذاهبها و طوائفها ، خاضعة لمستوطنتي تل آبيب و الدوحة.

6. ديسمبر 2012 - 0:24

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا